الحب بين النظرة الأولى والنظرة الأخيرة
بقلم ياسين الطاهري
مما لا شك فيه أن أبرز ضحايا الابتذال الموجود في التلفاز ، وفي الانترنيت ،وفي الشوارع … الذي يولي اليه الشخص وجهه هو الحب ، خصوصا ذلك الذين يقولون أنه يكون عند النظرة الأولى ، أعتقد أن تلك النظرة غير كافية لأن نحب من خلالها ، هناك سلوك وانطباع أولي نأخذه عن كل شخص وإما أن يكون إيجابيا أو سلبيا ، لكن الحب من نظرة وحيدة هو أمر مبالغ فيه ويعكس على حد كبير ضعفا في شخصية صاحبه ، أيا كان ما يكون ، الحقيقي والأكثر مصداقية هو الحب من النظرة الأخيرة ،نعم تلك النظرة التي تعلم أن من بعدها لن ترى ذلك الشخص ، للأبد .
أعظم شخصين في حياة كل إنسان هم الاب والأم ، في يوم من الايام سوف يرحلون ويتركونكم -أتمنى أن يطول الله في عمر الجميع- ستبقى وحيدا بعد أن قاموا بإنهاء مهمتهم . غالب،انت ستكرههم في الكثير من المواقف ، لكن لن تشعر بمقدار حبك لهم إلا في تلك اللحظة التي تعلم فيها أن وقت رحيلهم قد حان ، وأن النهاية اقتربت . في تلك اللحظة الأخيرة سيصل الحب الى قمة مجده حينها ستدرك فعلا أنك قد أحببتهم . أو ذلك الصديق الذي لن تشعر بقيمته -طيلة صداقتكم -إلا عندما تعلم أنه دار ظهره لكل تلك الايام والذكريات التي بنيتموها معا ، في تلك اللحظة ستدرك أنك أحببته حقا ، أو ذلك الأستاذ الرائع الذي لا يشعرك بالملل لن تشعر بحبك له إلا عندما تكبر … في اللحظة التي يرحل فيها شخص ما ذو قيمة لك ، هي تلك اللحظات التي ستحب فيها الجميع .
لا نناقش هنا الحب كشعور عاطفي شخصي بين جنسين ، لكن الحب هنا عبارة عن وسيلة تواصل ، تخبر فيها الطرف المقابل أنه كان جزءا مهما في حياتك ، وأن خروجك منها سيكون صعبا تقبله ،هذه هي الحياة بإختصار : الأم والأب سيرحلان ، الصديق سيستبدل أو يرحل …
وكل إنسان أخر سيؤدي مهمة في حياتك ، وبعد انتهائها سيرحلون .
الحياة أشبه ما تكون بالسيناريو ، أنت البطل فيها ، كل شخص له دور يقوم به ومن بعدها يغادر بصمت ، الأب رعاك ورحل ، الأم فاضت عليك من حنانها لكنها رحلت ، الصديق رافقك ورحل ، والزوج حماك وانتهى ، المدرس علمك ثم تقاعد ، … الجميع يظهرون في البداية من ثم يرحلون ،الجميع سيرحلون عندما تنتهي أدوارهم ولن تبقى سوى تلك النظرة الأخيرة ، النظرة غير المبتذل أبدا ، النظرة التي يكون عندها الحب حقيقيا ، كذب من قال أن الحب من
النظرة الأولى ، الحب لا يكون اﻻ عند النظرات الأخيرة .