بقلم : سفيان حميت
في ظل استمرار أشكال التغييب،الاستهتار والتنّكر لهويتنا وخصوصيتنا الحضارية؛نتيجة غياب إرادة سياسية حقيقية تعمل على تحصين وتثمين تاريخ وثقافة الأمة المغربية على كافة المستويات والأصعدة…وأمام واقع السرقات الممنهجة والمتكررة التي تطال تراثنا المادي واللامادي،سواء من طرف مؤسسات تجارية أو من طرف أنظمة تفتقد للعمق الحضاري والثقافي الذي يميز بلدنا…يطرح النقاش حول سبل التصدي لمحاولات السطو،التقويض و التبخيس التي تطال تاريخ وثقافة الأمة المغربية العريقة؟
في هذا السياق تبرز فكرة ضرورة خلق وتأسيس حزب أو حركة قومية مدنية و مواطِنة؛رهانها إذكاء الانتماء والاعتزاز بالوطن والأمة و العمل على صيانة تاريخها وثقافتها،وذلك بغية إبراز أوجهها المشرقة و المنيرة على المستوى التربوي،القيمي والسياسي أيضا؛وذلك عن طريق التعبئة الجماعية لمختلف الوسائل و الفاعلين في الشأن الثقافي،التعليمي والسياسي،في أفق بناء مناعة جماعية ضد كل أشكال الاستيلاب والارتهان الثقافيين من جهة،وضد كل محاولة التدليس و السرقة التي تطال هذا الرأسمال النفيس من جهة ثانية.
وتكمن أهمية الحركات القومية-معتدلة التوجه-في القدرة على إبراز ملامح الشخصية التاريخية والحضارية للأمة،بالإضافة إلى حرصها الدائم على تبوِيء هذا التاريخ المكانة التي يستحقها،خاصة لدى المجتمعات الضاربة في عمق التاريخ والحضارة الإنسانية كما هو الشأن بالنسبة للأمة المغربية.
كما تتميز الحركات القومية أيضا؛ بالقدرة على إعادة تشكيل و بناء الوعي الجمعي للأفراد؛الوعي الذي يكون زاده ومنطلقه عصارة تاريخ وحضارة الأمة و غايته الحفاظ على السيادة السياسية والثقافية للوطن،و في هذه الحالة يَصْلح هذا التوجه للقضاء على مختلف أشكال الاستلاب/الاستتباع الثقافي والسياسي؛الذي بات يخترق مجتمعنا بشكل متسارع ومتزايد،في غياب مشاريع حزبية و مدنية تناهض هذا الواقع.
قد يُثار في المقابل،الوجه السلبي للحركات أو الأحزاب القومية و التي غالبا ما تبدأ معتدلة وتنتهي إلى نزعة أو نزعات متطرفة تسلك مسلك الإقصاء وتبرير الذات بالإضافة إلى محاولة إلغاء الآخر كما يزعم البعض…الحقيقة أن الحركات القومية على أشكالها؛ تتباين في غايتها وأهدافها كما تتباين البيئة وطبيعة الثقافة التي تحويها،وعندما تكون هذه الحركة أو تلك تنشد فقط؛الحفاظ على تفرد وخصوصية حضارة أمة معينة-خاصة تلك التي لم يتسنى لأبنائها تشرب ثقافتها وقيمها- عندئذ يرفع الحرج ويؤجل سؤال النهايات أو الخواتيم،و يصبح من المشروع الدفاع عن ضرورة الاجتهاد التشريعي والقانوني لإيجاد منفذ يسمح بتأسيس كيانات وتنظيمات بخلفية قومية ووطنية…بأفق إنساني طبعا، وذلك خدمة للأمة ولحاضر ومستقبل الأجيال المتعاقبة.