_قراءة في رواية أبواب الفجر
_للكاتب مصطفى الورياغلي
_بقلم عبد القادر أعمر
يقول عبد المجيد سباطة “طالما كانت الرواية التاريخية مصدر إلهام للكتاب والقراء على السواء، فهي تمثل بالنسبة إلى الكاتب فرصة حقيقة للهروب من الواقع والحاضر واستغلال التاريخ لتمرير رسائل معينة وإسقاطات على الوضع الحالي لم يكن ليستطيع الإشارة إليها بشكل مباشر، أضف إلى ذلك أن هامش الإبداع فيها أكبر وأوسع ، كما أنها تقدم للقارئ رحلة زمانية و مكانية تنقله إلى أماكن وأزمنة أخرى ربما لم يكن يعلم عنها شيئا .”
يبدأ مصطفى الورياغلي في الفصل الأول المعنون ب: “الطاهر- القاسم (الخروج) ” بسرد حكاية أسرة مغربية حين اضطر الطاهر الى حزم أمتعته والرحيل بأسرته وأسرة شقيقه قاسم الذي قتل مع عشيقته ،وأقسم الطاهر على أخد الثأر من الأسرة التي رفضت تزويج ابنتهم لشقيقه ، تساءل الطاهر غير مصدق بعد أن حلت الكارثة .
” لا أفهم كيف تسلب عينان الرجل عقله وإرادته ! ” ص13
وعندما قتل الطاهر كبير القوم وسيدهم المسوؤل عن وفاة القاسم اتجه إلى الريف ليستقر الحال بالطاهر وعائلته في قبيلة بوفرح ،وهو المتمتع بمباركة الزاوية واحترام القبائل ” بني ورياغل وبقيوة ” وباقي القبائل الريفية ،باحثا عن حياة جديدة وجيدة وخيرة .
” أيمكن للإنسان أن يبدأ من جديد ؟ أن يبنى حياتين في حياة واحدة ؟ ” ص9
_الفصل الثاني : “الياقوت زوجة الأخ”
الياقوت زوجة القاسم ، شخصية قوية وفارقة أيضا ،امرأة عركت الحياة وخرجت للتجارة والأسواق وهي الجميلة التي تسبى العيون والعقول ، لكن ، طبعك حاد ،وعنادك لا يعادله إلا ذكاؤك ” ص 36 كما قالت أمها .
لقد انقلبت وتغيرت بعدما رفض الطاهر الزواج منها بعد موت قاسم ، دفعت الكامل وعمار أبنائها الإثنين إلى المطالبة بالميراث والاستقلال بمال أبيهما بعيدا عن الطاهر، وكان لها ذلك، فالطاهر أعطاها حقها في الميراث وحققت الاستقلالية عن الطاهر .
_الفصل الثالث: “يوميات صحافي طموح “
تحقق حلم الصحافي العامل بصحيفة لابنغوارديا ببرشلونة ،حيث يعمل محررا متخصصا في مواضيع سياسية إسبانية الخارجية ،وقد قررت إدرة الصحيفة إرسال الصحافي إلى المغرب ،لينقل عن كثب تفاصيل الحملة العسكرية التأدبية التي قررت الحكومة توجيهها إلى قبائل الريف .
وخلال هذه الرحلة يسرد الصحافي أحداث الحملة التأدبية ،وقابلها المغاربة بنوع من الشراشة والشجاعة ،وألحقوا الهزيمة بالجيش الإسباني وتتحول الحملة التأدبية إلى حصار فرضته قبائل الريف على الجيش الإسباني ،دام لمدة ستة أيام ،وجاء على لسان الصحافي في نهاية الفصل الأول “انتهى جحيمنا في اليوم السادس والعشرين من نوفمبر عام 1893 ،شهرا على بداية حصارنا في حصن كابريراس ،لكن القتال بين جنودنا ومقاتلي المورس لم يتوقف إلا بعد انصرام شهر أخر ،وبعد ان اضطرت الحكومة الإسبانية إلى إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة ،وبعد الوساطة وضمان من مولاي عرفة ،شقيق السلطان ومن باشا قبيلة معزوزة .” ص 72
_الفصل الرابع :صهر الشريف الطاهر “حملة بوشتى البغدادي قائد محلة السلطان “
جاءت حملة القايد بوشتى البغدادي لإخضاع الريف بالقوة للسلطة المركزية وكانت مجزرة على قرية أجدير ،حيث نجا من الحملة صهر الشريف الطاهر وابنه عبد الكريم وظل يتنقل بين الدواوير والقرى لينشر خبر المذبحة بين الناس ، محذرا من الخطر المحدق بالجميع ويقول “فلما أيقنت بمصير القبيلة المحتوم وعلمت ان القائد قد وعد بمكافأة مغرية من يأتيه برأسي ،وبرأس من أفلت من مذبحة أعيان القبيلة ،تواريت بين شعاب الجبال السرية ،وقصدت بيت صهري الشريف سي الطاهر في قبيلة بني بوفرح .” ص83
_الفصل الخامس : سلام ولد الطاهر “غواية البارجة كونشا “
في هذا الفصل يسرد سلام ولد الطاهر كيف استطاع بققوقعة حلزون بحري ويعرف ب أبوقار أن يموه ربان السفينة وتحط رحالها على الشاطئ وعند اصطدامها بصخرة ،تحيط بها مراكب المجاهدين من كل جانب وقد صوبوا فوهات بنادقهم إلى أفراد طاقم السفينة حيث لم يكن أمامهم سوى الإستسلام وشب في الجميع سعار الجشع ،فانقضوا في سباق محموم على سفينة من حدب وصوب ،ينهبون كل ماتطوله أيديهم من بنادق ومسدسات ومواد تموين والملابس والأحدية ،وكان الفقيه محمد بن أحمد العزوزي يريد نظاما وانضباطا في عمل اجتماعي ،فما أن وصل الأسرى والرشاش الثقيل إلى اليابسة حتى لاحت في الأفق سفينتان حربيتان ،أسرع القوم إلى إخلاء البحر وهرول الجميع إلى المرتفعات القريبة واقترح سلام على الفقيه نقل المدني الوحيد بين الأسرى إلى بيت الطاهر الشريف من أجل تعلم اللغة الإسبانية من الأسير .
_الفصل الخامس :الكامل ولد قاسم ” العاشق والبحر”
سلط الكاتب الضوء على شخصية الكامل ولد قاسم ، يشبه أباه يحب الحياة ، يكره القيود ، يندفع وراء مشاعره ، ويحب بعمق ، لقد أحب بنت عمه ، لكن الطاهر عمه رفض أن يزوجها له، بعد محاولات ومعاناة انصرف إلى البحر والتجارة .
_الفصل السادس : زيان ولد الطاهر “مقتل الأب “
جاء مقتل الطاهر مع اختفاء الأسير الإسباني ،فالقاتل كان حمو نفطوش اي حمو بن فطوش ،تكفل الطاهر بتربيته والخالة فطوش أقدم نزيلة في جناح النساء بالزاوية وضعته موضع ابنها الدي قتله أخوها بدافع الإنتقام من الزوج ،ترعرع وسط أسرة الطاهر وصار حمو ظله لا يفارقه وعندما عرض حمو على الطاهر الزواج من ابنته يامنة غضب الطاهر ونعته بالخادم وكانت لحمو علاقة بالأسير حيث كان يتسلل قبيل الفجر وحيدا من غرفة الإسباني وعندما قتل حمو الشريف الطاهر وسقط بعد ذلك حمو بطلقة من زيان ووجهت سهام القتل على الياقوت وابنائها غير أنهم أقسموا بالمصحف الكريم ،واستقبلوا القبلة داخل مسجد الزواية ألا يد لهم في قتل الشريف الطاهر .
_الفصل الثامن :شمس الضحى “قصة عشق موؤود “
تقول شمس الضحى : “منذ ثلاث سنوات .. انتحرت.
قلت لا حياة لي بعيدا عن الكامل،لن يضمني بيت غيره، ولن تلمسني غير يده.
سأجعل موتي لعنة تحل بهذه الديار إلى الأبد، كلهم وقفوا ضدي لا أحد منهم نظر إلى قلبي المنفطر النازف دمعا ودما،لم يتركوا لي حتى حق التوسل والرجاء، عار إن تكلمت وعار إن بكيت ثم عار إن حزنت ، تطعنك خناجر أبيك وإخوتك وترميك للكلاب ، ولا حق لك في الأنين أو الشكوى. عار عار عار . فليهنأوا بموتي! وليدفنوا سر عشقي إن استطاعوا .” ص 143
شمس الضحى حبيبة الكامل ولد قاسم ، قاومت هي الأخرى بطريقتها ، حاولت قتل نفسها بالسم ، لكنها لم تمت وأنقذها الأسير الإسبانى ،وتزوجت محمد لتنتقل بعد إلى قرية أجدير مع زوجها وعند غيابه ويشتد بها الشوق والقلق تلجأ الى كتابه المعنون ب “طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد”
_الفصل التاسع : خوان خوسيه بيرث “جاسوس إدارة الشؤون الأهلية “
خوان خوسيه بيريث جاسوس إدارة الشؤون الأهلية ، وتاجر المواد الغذائية والمواد الاستهلاكية البسيطة ، بواسطة العمل في التجارة قابل وعرف الكامل في مليلية ،الكامل لم يكن يعلم بعمل خوان خوسيه كجاسوس ولم يهتم بالسياسة ، الصدفة لعبت دورا في لقاء خوان خوسيه بالكامل ، “في مليلية سألتقى بصديقي الكامل، المغربى الوحيد الذي يمكن أن أنعته بتلك الصفة, لأنه كان صديقا حقيقيا, جمعتني به في البداية عوالم التجارة “ص200
ويسرد بعد ذلك أحداث معركة أنوال يوم 20 يونيو 1921 التي تجرع فيها الجيش الإسباني الهزيمة بقيادة الجنرال سلفستري من جيش المقاومة والتحرير بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي .
يقول “في ليلة ذلك اليوم الكئيب انعقد مجلس الحرب برئاسة الجنرال سلفستري ،وقرر الجميع الإنسحاب من أنوال… ” ص212
وخلال هذه المعركة قتل الجنرال سلفستري وخلف في صفوف الجيش الإسباني الكثير من الجرحى والقتلى والمفقودين وياتي في الأخير الجاسوس وهو السارد في هذا الفصل ليتسأل “لما كل تلك الكراهية والحقد ؟ لا أفهم ! لم نسيء إليهم ،معنا سيدخلون العالم المتمدن ،سيفارقون الجهل والقمل والجوع…”ص 215
_الفاصل العاشر: الحسن ولد الطاهر “الشاهد الذي رأى”
يحكى الحسن آثار الأيام ومرسخ في ذاكرته مما شهده من الحوادث والمعارك ، يحكي لحفيده حكايات الثورة والجهاد والثوار والأمير محمد بن عبدالكريم الخطابى، وعن الصمود لمدة ست سنوات في وجه المستعمر الإسباني ويقول “كانت السنة الأخيرة من ثورتنا المجيدة ،وأقصد عام 1926م ،وكان قصف الأعداء على أشده وقد أنزلوا جيوشهم الجرارة بسواحل الحسيمة ،لكن الرجال صمدوا لزحف تحالف الإسبان والفرنسين ومن والاهم من أبناء جلدتنا الضالين الذين ،باعوا أرواحهم للغاضبين بالمال…”ص 224
وبعد ذلك يقول الحسن ولد الطاهر ثم يسأل حفيده هذا السؤال: من قتل الحلم فينا؟ وكيف سمحنا له بذلك؟ هل لديكم جواب يا بني؟ أنظر لحالنا وأتحسر ،لو أكملنا طريقنا لكنا اليوم في النجوم !الإستعمار وحده لا يفسر كل شيء ،رحل المستعمر عن أرضنا منذ أعوام وأعوام ،غير أننا لا نسير..” ص 234
_الفصل الحادي عشر: “من وحي كنانيش الجد”
في هذا الفصل الأخير يحاول الكاتب مصطفى الورياغلي الحديث على مصير كل من شمس الضحى وزوجها موح حيث كانت الرسائل تنقل بينهم محشورة وسط الطعام او في ثنايا اللباس ،ينتظر الزوجان الرسالة بلهفة ،وستعلم شمس الضحى ذات يوم في مدينة تطوان بعدما هيمن المستعمر على البلاد وحلت كوارث المجاعة بأرض ريف من جديد ،أن زوجها وابن عمها الكامل قد استشهدا خلال عملية تحرير السجناء من سجن جزيرة النكور وفي الأخير يلتقي الحسن بأخته شمس الضحى وهي تعمل عند أسرة اسبانية وأصبح أبناء المجاهدين يستعبدهم المعمرون في مصانعهم ومشاريعم.
الجميل في هذه الرواية ،أنها تزخر بحكايات متجاورة لكنها غير متعاقبة ولا تفرض قراءة زمنية تصاعدية ،بل تنسج ذاتها لكي تقرأ كأنها خريطة أي يمكن الانطلاق في قراءتها من أي ناحية ،وبهذا تمكن الرواية للقارئ أن ينتقل من فصل إلى أخر دون أن يؤثر ذلك في الانتهاء إلى بناء صورة على أحداث الرواية .
شخصيات “أبواب الفجر” والأصوات التي اعتمدها الكاتب يمكن تقسيمها إلى أحد عشر صوت وفصل ،وكل فصل يحمل اسم شخص يتولى مهمة سرد أحداثه ويسلم بعد ذلك مهمة السرد لشخصية أخرى ،وجل شخصيات الرواية قوية ،شديدة المراس ،تؤمن بما تعتقده وعلى استعداد لدفع الثمن من أجل ما تسعى إليه ،اعتمد الكاتب على لغة جميلة وسهلة وضعها في متناول الجميع , عرف كيف يوظفها بسلاسة مع كل شخصية من شخصيات فصول الرواية ،لكن هل استحضر مصطفى الورياغلي أحداث حقبة تاريخية وحوادث مؤثرة وقعت في الماضي, من أجل فهم ما يحدث في الواقع الراهن ؟