قراءة نقدية في رواية “التوأم” للكاتبة المغربية فاتحة مرشد — بقلم عبدالقادر أعمر

admin22 فبراير 2018آخر تحديث : الخميس 22 فبراير 2018 - 9:03 مساءً
admin
.مقالات رأي
قراءة نقدية في رواية “التوأم” للكاتبة المغربية فاتحة مرشد — بقلم عبدالقادر أعمر

B 1 10 - ناظور بريس NADORPRESS



يقول غيلبرت هايت ” الكتب ليست أكوام من الورق الميت.. إنها عقول تعيش على الأرفف”

_قراءة في رواية التوأم
_فاتحة مرشيد

تبدأ الروائية المغربية فاتحة مرشيد ،الفصل الأول من الرواية بسؤال “من أنا” على لسان موراد ، ويجيب “أنا انسان وهبته الحياة كل أسباب الرضى… ما عدا الرغبة في مغادرة هذا الفراش لمواجهة نهار جديد.” هذا الشيء يضيف رونقا رائع لرواية ،عندما تكتشف حكمة الكاتب في وضع الأحرف التي تجدب القارئ للغوص في بحر أحداثها وشخصياتها .
موراد مخرج سينمائي، فقد نصفه الثاني منير في حادثة سير،تزوج من نادية بينما كان يحب شقيقتها نورلكن هذه الأخيرة وقعت في حب الروائي كمال الخلفي ،وتزوجت به ،وتحبه وعلى الرغم من انفصالهما المفاجئ فإنها كانت تفكر به، وتريد أن تعرف لماذا تخلى عنها بهذه السرعة، والزوجة نادية منغمسة في عملها ووفية لزوجها ” قبلتها بامتنان لزوجة تضع ذاتها والعالم في خدمة أفكاري…”ص56
صديقه الحميم موريس كوهن مصاب بمرض هوس العشق ، بيترا تلك التحفة التي كان يدافع عنها موريس ،كان يعتقد أنها تحبه وخطبت إلى شخص آخر طعنه موريس بالسكين ودخل السجن بسببه، وحينما برأته المحكمة لأنه كان يعاني من هذيان مرضي، ترك دراسته في الهندسة المعمارية واشتغل مع عمه إسحاق في محل لبيع التحف القديمة، ومن هناك نشأ ولعه بالمنحوتات الأثرية والأعمال الفنية، ثم اشترى بعد وفاة والده صالة كي يمارس فيها شغفه الفني، ويتخذ من قسمها الخلفي «مغارة» للعزلة، وصومعة لتأمل الذات، وكان موريس يحاول أن يسرد لموراد كيف تحول هوسه ببيترا الى هوسه بالتحف الأثرية .
وأنهى موراد اخراج فيلمه الروائي الذي أطلق عليه في الأول اسم «السلسلة» ، ثم غيره لاحقا إلى «ثمن الغياب».
وهو يتمحور على جدلية الغربة والحنين، ولعل أقصى ما يسعى إليه «حمان» المتقاعد المغربي المسن هو أن يموت في بلده ويدفن هناك ،وبعد ذلك يفاجئ بحمل نور من كمال الخلفي قبيل الطلاق، وتضاعفت المفاجأة حينما أثبتت الفحوصات الطبية أن الجنين الذي تحمله في بطنها توأم، فيلتمس منها غير مرة أن تحتفظ بهما على أن يتحمل هو قسطا كبيرا من المسؤولية، خصوصا أنه عقيم لا ينتظر من نادية أن تنجب له ذرية في السنوات القادمة. فيخترع لنادية قصة حصول نور على منحة دراسية لسنة واحدة من جامعة ميامي لتطوير مهاراتها الفنية واللغوية التي قد تفتح لها طريقاً إلى العالمية، واستغل وفاه أخاه التوأم لكي يقنع نور بعدم الإجهاض وكانت نور مقيمة في كابو نيغرو ،بعد ذلك تفتح فاتحة مرشيد الفصل الرابع بقدوم التوأمين “وائل وجاد” وما خلفه ولادة التوأم من سعادة وفرح على الأسرة ،وعندما حل عيد ميلاد جاد وأياد ،تكتشف نادية هذه الحكاية الملفقة فيضطر للاعتراف بالخطة التي دبرها مع نور للتستر على قصة الحمل التي لم تشأ أن يعرف بها أحد، لكن طلب نادية الوحيد بعد أن استفاقت من غيبوبتها وتأكيد الأطباء على إصابتها بالتهاب الكبد الفيروسي الحاد، هو أن يخبر كمال بالحقيقة وبعد وفاة الزوجة يظهر اب موراد وتدخل الرواية في مرحلة البوح بالكتمان لتضفرها أسرارا تنهش أحداث مخزنة في الذاكرة ، حيت علم موراد سبب انفصال اسرته ،بعدما أقر الأب بخيانة الأم ،وعدم الكشف عن الحقيقة راجع حسب الأب الى حسن النية “الفضيحة كانت ستعمنا جميعا وأولنا منير وأنت ،لم أشأ ان يعيركم اصدقاؤكما بأمكما…وكرامتي كرجل لم تسمح..”ص164
وبعد ذلك يقرر موراد أن يسامح الكل وجمع الشمل مع الأب ويقر بعدم كرهه لوالدته ويمنحها فائدة الشك كما فعل الأب رغم كل ما رأته عينيه وبعد ذلك تآتي ساعة الحسم ،عندما جاء كمال من فلورنسا ليقدم العزاء ،وأقر له بحقيقة أبنائه وائل وجاد ويجيبه كمال بأنه غير مستعد أن يصبح أبا لتوأم في ثلاث سنوات وينصح موراد بقول الحقيقة لنور والإعتراف لها بالحب الذي يكنه لها ،وبعد ذلك تختم فاتحة مرشيد روايتها بلوحة من الشوق والحب ،متمسكتا بنظرات تبوح بعطش السنين ،ويأتي على لسان موراد سؤال “لما لا ؟” هذا السؤال الذي يدفق بالأمل وتحقيق كل ما حرم منه، بداية معلنة ـ و غير معلنة ،تثير فضول القارئ وتجعله يقف على حافة النهاية و هذا ما يجعله ينسج خيوط بداية جديدة تقل قساوة عن ما سردته فاتحة مرشيد.
رواية التوأم تروض المعطى النفسي والتاريخي وتذوبه في نسيج النص السردي، وتجعل منه عنصر تشويق ينطوي على كثير من المعلومات المثيرة، التي هي أقرب إلى الكشوفات النفسية والمعطيات التاريخية وأقوال العظماء ، تعطي فاتحة مرشيد هذه المعلومات لتعميق البعد النفسي والاجتماعي للشخصيات ولتطوير الأحداث و تعميق النظر في الرواية ، لكن رغم هذا الكم الهائل من المعلومات التي تزخر بها الرواية ،تمتلك الروائية مبدأ البساطة الذي يتمظهر في اللغة و الحكي، وتبتعد عن التعقيد والغموض، وذلك ما أعطى لرواية عمقا إنسانياً ومتعة قرائية مسترسلة تروم السير بالقارئ إلى اكتشاف الذات الإنسانية وما يعتمل بداخلها من تناقضات تجمع الخير بالشر.. والحب بالكره.. والإقدام بالإحجام..والبحث عن الحقيقة والخلاص من لعنة الماضي .

بقلم :عبد القادر اعمر



اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الاخبار العاجلة