قبل أن تنتهي ضحية لمواقع التواصل الاجتماعي، كانت نور (17 عاما) حذرة في قبول طلبات الصداقة، آخذة بنصح والدها الذي كان قريبا منها.
لكن الفضول لم يمنعها من محاولة التعرف أكثر على ما يحصل في فيسبوك، فقبلت لدعوة الانضمام إلى مجموعة، بعد أن وجدت أعضاءها على الأغلب من الطلبة وبعض الأساتذة الجامعيين.
“مواضيع المجموعة عن أحلام الشباب وتطلعاتهم ودراستهم. شعرت أني أمام نخبة، لا أجد مثلها في مدينتي الجنوبية والريفية”، تروي ريم التي لا تستطيع أن تخفي دموعها، وفق ما ينقله الموقع الرسمي لمجلس القضاء الأعلى، مضيفة “حتى تحدث لي أحد أفراد المجموعة بشكل خاص، كان مؤدبا ورائعا بكلماته”.
قررت نور مبادلة “أحمد” كلمات التعارف، لأنها سبق وأن تحدثت إليه ضمن المجموعة.
أخبرها أنه طالب في كلية الهندسة، وهو ما أغراها بعد أن وجدت كل ما ينشره على صفحته يختص بالهندسة الكهربائية، إضافة إلى “وسامته”.
“بعد أيام صارحني أنه ومنذ اليوم الأول أنشد إلى لما رآه من جديتي وثقافتي، سحرتني كلماته”، تروي نور التي لا تنفك عن البكاء بحرقة، وتتابع “ملأ خانة الرسائل بصوره الشخصية في بيت أهله الجميل ومع سيارته الفخمة”.
وبعد أن أصبح أحمد “موضع أسرار” الفتاة نور، لم تتردد الأخيرة في الموافقة على طلبه بإرسال بعض صورها الشخصية. “صرنا نتبادل الصور ونتواصل في كل وقت وبكل وسيلة”.
ولأن عائلة نور ترفض زواج ابنتهم بشخص من خارج العشيرة، اتفقت الفتاة مع أحمد على “الهروب إليه بعد أن أراني صورة بيتي الذي أعدّه لي وتحدثت إلى أمه وأبيه”.
قضت نور ليلتها تجمع الأغراض والمستمسكات الشخصية، وبمجرد خلو منزلهم صباحا، هربت إلى بغداد، حيث ينتظرها أحمد.
وبعد لقائهما للمرة الأولى “انتقلت وإياه لمنطقة سكنية ودخلنا أحد البيوت، وما أن تفحصت غرفه حتى عرفت أنه كان مختلفا عما رأيته في الصور”.
لم تكن نور تشعر أنها تقترف أي خطأ، حتى طلب منها هاتفها المحمول. “انتزعه من يدي، وقام بتفكيكه وطلب مني الدخول إلى إحدى غرف البيت، أغلقها وغادر البيت”.
وبعد ساعات، سمعت نور أصواتا في البيت، تفاجأت بعد فتح باب غرفة احتجازها برجل في العقد الخامس من عمره، ومعه مجموعة من الرجال.
“دخل الغرفة لوحده وطلبني لممارسة الجنس، صرخت ورفضت لكنه أخبرني أنه سيحصل على ما يريد مهما فعلت”.
وتوضح نور “لم أكن أقوى على مقاومته، فعل كل شيء يريده ومن غير مشيئتي”.
وبعد انقضاء ذلك اليوم الذي كان “طويلا”، جيء في اليوم الثاني بفتاة أخرى، وتكررت الحالة لمدة أربعة أيام “صرنا أربع فتيات في البيت”.
وبعد أسبوع داهمت القوات الأمنية المنزل وأفرجت عن الفتيات “الضحية”.
استطاعت الأجهزة الأمنية الوصول إلى المنزل بعد “مراقبة دقيقة للهواتف والحسابات التي وجدت في الحاسبة الشخصية لإحدى الفتيات تم التوصل إلى هذا البيت”، إثر شكوى تقدم بها أهل نور، وفق ما ينقل قاضي التحقيق.
ظاهرة وليست حالة
حالة الفتاة نور ليست الوحيدة، وبحسب الشرطة المجتمعية، فإن أقسامها تتلقى بشكل يومي حالات بلاغ فتيات عن تعرضهن لابتزاز بسبب مواقع التواصل الاجتماعي.
ورغم خطورتها، تقف الأجهزة الأمنية عاجزة أمام التعامل معها، والسبب وفقا لمدير الشرطة المجتمعية العميد خالد المحنا هي “التشريعات”.
يقول المحنا “في العراق نعاني إجراءات بيروقراطية، هذا الموضوع لا نستطيع حتى التفكير به”، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك) “نحتاج إلى تشريع، والتشريع قد لا يحصل قبل عشر سنوات، بسبب طريقة عمل البرلمان”.
وقد لا تقتصر المشكلة على العراق، لكن معظم الدول وضعت القوانين والآليات للتعامل مع قضايا الابتزاز الإلكتروني، لكن “للأسف العراق لا توجد جهة معنية مهتمة بهذا الموضوع”، يقول المحنا.
واعتمدت الشرطة المجتمعية وبجهد ذاتي على وضع معالجات لظاهرة الابتزاز الإلكتروني، تعتمد على مستويين:
– المستوى الوقائي، عبر إقامة ندوات في المدارس تهدف لتوعية الفتيات عن كيفية التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي.
– المستوى الإجرائي، عبر حماية المواطنين الذي يتعرضون لحالة ابتزاز.
وتسعى المديرية وفقا لمديرها للاستعانة بالدعم والخبرة الدولية حول كيفية حماية الأسر من مخاطر مواقع التواصل الاجتماعي.
نصائح للأسرة
ووفقا لخبراء اجتماعيين فأن ثمة مسببات تقف وراء انتشار الابتزاز الإلكتروني، تتحملها الأسرة والمؤسسات الحكومية.
وتقول أستاذة علم الاجتماع في جامعة بغداد فوزية العطية “الأزمات التي تعيشها الأسر وكذلك المجتمع ولّد ثقافة مريضة لدى عدد كبير من المراهقين”، مضيفة في حديث لموقع (ارفع صوتك) “يضاف إلى المسببات التفكك الأسري وغياب التوعية في المناهج المدرسية، التي بقت تقليدية ولا تتلاءم مع التطور الاجتماعي”.
وتقدم العطية بعض النصائح للأسرة، بقولها:
– يجب مراقبة الأبناء أثناء استخدامهم للأجهزة الإلكترونية، وعدم تركهم معزولين مع تلك الأجهزة بمفردهم.
– يجب أن يكون أولياء الأمور موجهين ولا يمارسون الأساليب القاسية في منع أبنائهم، لأن المراهقين في هذه الحالة سيلجأون إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي سرا، وهنا يخسر الوالدين فرصة مراقبتهم.
– يجب تخصيص وقت يومي كاف للجلوس مع جميع أفراد الأسرة، وفتح الحوار الدائم مع الأبناء، ومحاولة معرفة المشاكل التي تواجههم.
– يجب أن يكون الأبوان نموذجاً صالحاً، والابتعاد عن الشجار وإن كان مزاحا أمام الأبناء.