مبارك بلقاسم
قررت الدولة المغربية قطع علاقاتها مع إيران للمرة الثانية في ظرف العشر سنوات الماضية.
في 2009 قطع المغرب علاقاته مع إيران بسبب نشرها الإسلام الشيعي بالمغرب، وفي المرة الثانية في 2018 بسبب تورط إيران في تسليم سلاح للبوليساريو.
ولكن كل مغربي يملك عقلا سيتساءل حتما: لماذا يقطع المغرب علاقاته مع إيران بسبب تورطها في تسليم شحنة سلاح للبوليساريو ولا يقطع المغرب علاقاته مع الجزائر التي صنعت البوليساريو وتدعمها بالمال وأطنان من شحنات السلاح وبالديبلوماسية الهجومية النشيطة منذ 1976 على مدار العام وعلى مدار الساعة 24/7/365 وبشكل علني مفضوح عكس الدعم الإيراني السري والمحدود جدا للبوليساريو؟
أين يوجد مقر البوليساريو ودباباته ومدافعه؟ هل في طهران أم في الجزائر؟!
إيران لا شيء بالمقارنة مع ما تفعله الدولة الجزائرية ضد المغرب. فالدولة الجزائرية تشن حربا ديبلوماسية وإعلامية شعواء ضد المغرب من أجل الهدف النهائي الذي هو تقطيع المغرب إلى شظيتين وإقامة جمهورية عربية على صحراء المغرب الأمازيغية الجنوبية.
الجزائر دولة أمازيغية شقيقة للمغرب ولكن هذه الأخوة الأمازيغية لا تساوي قشرة بصلة إذا كان هذا “الأخ الأمازيغي العزيز” يريد “شوقرة” المغرب إلى شظيتين. بناقص گاع هاد الأخوة الأمازيغية ديال أخير الزمان.
وكل ذو عقل سيتساءل أيضا: إذا كانت وحدة المغرب بكل هذه الأهمية لدى الدولة فلماذا لا تقطع الدولة المغربية إذن علاقاتها مع إسبانيا التي تحتل 21 جزيرة مغربية وتحتل مدينتي مليلية Mřič وسبتةSebta ؟
(راجع مقالي السابق: “إسبانيا تحتل 21 جزيرة مغربية والمغاربة يطالبون بتحرير فلسطين!”)
إن قطع المغرب علاقته مع إيران قرار صائب معقول في حد ذاته لأن من يقدم السلاح لعدوك ليس صديقا ولا أخا لك، وعليك معاقبته أو مقاطعته. ولكن هذه الحالة تنطبق على النظام الجزائري أيضا وبشكل أشد من النظام الإيراني بملايين المرات.
وطبعا، إيران نظام ديني إسلامي استبدادي كريه يقمع شعبه ومتورط في حروب الشرق الأدنى بالضبط مثل النظام السعودي. والمغرب سيربح الكثير إذا قطع علاقاته مع النظامين الإيراني والسعودي ومنع الكتب والكاسيطات من التدفق منهما ورفض منح الفيزا لسياحهما ورجال الدين منهما. فإيران والسعودية هما أسوء دولتين في العالم لشدة قمعهما للشعبين الإيراني والسعودي ولتورطهما في الإرهاب والتفجير وإشعال الحروب وتصدير أيديولوجيات الإرهاب والخرافة والتخلف.
إذا قطع المغرب علاقاته مع إيران بسبب تسليحها البوليساريو فعليه أن يقطع علاقته مع الجزائر أيضا لنفس السبب وإلا فستكون سياسته متناقضة وغير فعالة بل ضعيفة، خصوصا أن المغرب يكرر صباح مساء أن مشكلته هي مع الجزائر وليست مع البوليساريو وأن البوليساريو دمية جزائرية.
ولا تشفع الأخوة التاريخية والهوياتية بين المغرب والجزائر في هذا الموضوع.
فالمغرب والجزائر طبعا بلدان أمازيغيان شقيقان وشعبان أمازيغيان شقيقان، ولكن إذا كنت تقدم السلاح لعدوي وتبذل قصارى جهدك لتقطيعي إلى شطرين فأنت لست بأخي ولن تعود أخا لي حتى ترجع عن جنونك وحماقتك.
وإذا أراد المغرب أن يوسع علاقاته الدولية ويتجنب العزلة فلماذا لا يقيم علاقات مباشرة وكاملة وبسفارات مزدوجة مع دول متقدمة عليه وغير معادية له ستجلب عليه الخيرات والنفع الاقتصادي مثل نيوزيلاندا New Zealand وأيسلندا Iceland وإستونيا Estonia وليثوانيا Lithuania ولاتفيا Latvia وسلوفاكيا Slovakia وسلوفينيا Slovenia وبيلاروسيا Belarus وكازاخستان Kazakhstan وألبانيا Albania ومونتينيگرو Montenegro ومقدونيا Macedonia؟ فهذه الدول لا توجد لها سفارات بالمغرب ولا يملك المغرب سفارات عندها لحد الآن.
هل تعلمون أن أستراليا لم تكن لديها سفارة بالمغرب إلى غاية 2017 وأن المغرب لم يفتح سفارة له بأستراليا إلا في عام 2004؟!
مع دولة متقدمة وغنية وكبرى بحجم أستراليا! شيء يكاد لا يصدق.
وبالنسبة لإسرائيل، فجزء ضخم من المغاربة يرون إسرائيل عدوا لدودا للمغرب رغم أن إسرائيل لا تحتل ميليمترا واحدا من أرض المغرب ورغم أن إسرائيل لا تدعم البوليساريو ولا تعادي المغرب على الإطلاق بأي شكل من الأشكال ورغم أن إسرائيل لم تعتد يوما على المغرب (بل إن المغرب هو الذي ذهب إليها بجيشه ليحاربها في 1973 لتحرير أراض ليست له أصلا والمغرب أصلا غارق في الاحتلال الإسباني إلى أذنيه شمالا وجنوبا).
ولا تخلو المظاهرات الشعبية المغربية من أشخاص يحملون العلم الفلسطيني الأجنبي عن المغرب (والذي لا محل له من الإعراب بالمغرب) تضامنا مع الفلسطينيين بمناسبة وبدون مناسبة، ولكنك لن تجد هؤلاء المغاربة يذكرون مليلية وسبتة والجزر الـ21 التي تحتلها إسبانيا. بل إنهم قد نسوها ومسحوها من أذهانهم واستبدلوها بفلسطين وغزة والجولان وقلقيليا.
ويطالبون بمقاطعة إسرائيل ومقاطعة بضائع إسرائيل ومنع التطبيع مع إسرائيل (التي لا تحتل أرض المغرب) ولكنهم لا يطالبون أبدا بمقاطعة إسبانيا وبضائع إسبانيا ومنع التطبيع مع إسبانيا التي تحتل جزر ومدن المغرب وفعلت فيه الأفاعيل من مذابح وقصف كيماوي ولم تعتذر له ولا قدمت تعويضا له.
الرأي العام المغربي محق 100% حين يستنكر قتل طائرات إسرائيل وجنود إسرائيل للمدنيين والأطفال الفلسطينيين، خصوصا في حروب غزة بين إسرائيل ومليشيات حماس الإخوانية التي تستخدم المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية وتستخدم دماءهم كمادة دعائية.
ولكنك لن تسمع ذلك الرأي العام المغربي ينبس بكلمة حول قتل الطائرات السعودية لمدنيي وأطفال اليمن الشمالي الشيعي. فجأة يتجاهل المغاربة مقتل المدنيين والأطفال اليمنيين رغم أن القتل واحد والسلاح واحد (نفس الطائرات السعودية والإسرائيلية F-16 المصنوعة أمريكيا).
ولم ينبس الرأي العام المغربي بكلمة واحدة عندما قتل وحرق الجيش السوداني ومليشيات الجنجويد المتحالفة معه أزيد من 250.000 مدني دارفوي في أول جريمة إبادة إثنية في القرن 21. أين الغضب والاستنكار الشعبي المغربي؟ لن تجد له أثرا. المغاربة لا يتضامنون إلا مع المسلمين العرب السنيين في فلسطين ولبنان والعراق وسوريا. أما أنتم يا مساكين دارفور “وا شكون دّاها فيكوم” فأنتم لستم عربا.
يا له من نفاق وكيل بمكيالين يرتكبه الشعب!
الشعوب منافقة أيضا وتكيل بمكيالين أيضا. وليس فقط السياسيون من يفعل ذلك.
وعودة إلى اليمن. لم ينبس المثقفون والسياسيون المغاربة ببنت شفة حول لماذا تورط المغرب في حرب اليمن التي كلفته مقتل الطيار المغربي وإسقاط طائرة F-16 المغربية التي دفع الشعب المغربي ثمنها من عرق جبينه.
من سمح للدولة المغربية بالتورط في مستنقع اليمن الذي هو مجرد حلقة في مسلسل الحرب السنية الشيعية الأبدية؟! ألا يجب على الدولة طلب رخصة البرلمان أولا أو استفتاء الشعب أولا قبل الخوض في المغامرات الحربية البعيدة في القارات البعيدة؟!
(المغرب انسحب جزئيا من اليمن حسب بعض الأنباء)
ولم ينبس المثقفون والسياسيون المغاربة بكلمة حول من سمح للدولة المغربية بطلب الانضمام إلى منظمة Cedeao لدول غرب أفريقيا وبنهج سياسة فتح المغرب على مصراعيه أمام جحافل المهاجرين الذين يزاحمون المغاربة العاطلين على لقمة العيش والتفراش في المدن المكتظة.
كل هذه الأشياء وغيرها تستلزم نقاشا شعبيا مفتوحا وتصويتا برلمانيا أو استفتاءات شعبية.
لماذا المغاربة ساكتون واجمون متفرجون لا يبدون رأيا ولا يطالبون بالاستفتاء في القضايا الكبرى التي تتعلق بمصيرهم وحياتهم السياسية والاقتصادية ولا يتفننون إلا في شتم إسرائيل (ولا يشتمون الاحتلال الإسباني لأراضي المغرب أبدا) أو تبني قضايا الأجانب في فلسطين أو خوض معارك الفيسبوك الخاوية حول الفنانة الفلانية والشيخ الفلاني والتصريح الفلاني؟!
يمكن تفسير هذا جزئيا بغسيل الدماغ العروبي الإسلامي الذي خضع ويخضع له جزء ضخم من المغاربة من طرف الإعلام المغربي الحكومي (التخديري) والإعلام الحزبي والإخواني والإعلام الأجنبي (القطري والسعودي والبعثي والإيراني والإخواني) الذي غرس في أذهانهم أن الإسلام/العروبة هو معيار كل شيء وأن الخطوط الدينية (مسلم/مسيحي/يهودي) والمذهبية (سني/شيعي) والقومية الأجنبية (عروبي/صهيوني) أهم من الخطوط الوطنية (المغرب/الجزائر/إسبانيا).
وغسيل الدماغ العروبي الإسلامي ذلك هو الذي غرس في أذهان المغاربة أن القضايا العربية أهم من القضايا الأمازيغية وخصوصا منها المغربية.
وحسب تلك العقلية العروبية الإسلامية فإن إسرائيل هي المشكلة رقم واحد للمغرب لأن القدس أهم من المغرب! وأما الاحتلال الإسباني لأراضي المغرب فلا مشكل منه ولا داعي للحديث عنه!
تلك العقلية العروبية الإسلامية هي التي تجعل المغربي يرى أن رفع العلم الفلسطيني (الذي يشبهه علم البوليساريو) واجب وطني وأن القضية الفلسطينية قضية مغربية وطنية! وهكذا أصبحت قضية المدن والجزر المغربية المحتلة من طرف إسبانيا شيئا ثانويا بل مجهولا وكأنها جزر من بلاد الواق الواق الأسطورية البعيدة التي لا يكترث لها المغاربة. وبدل أن ينفق السياسيون والمناضلون المغاربة وقتهم وجهدهم وأقلامهم في قضايا المغرب كأراضيه المحتلة والمشكل مع الجزائر اختاروا أن ينفقوا جهدهم وأقلامهم على مشاكل العرب في قارة آسيا فأصبح لدينا جيل من الشباب المغاربة يجهل قضايا المغرب ولا يعرف أسماء الجزر المغربية الـ21 التي تحتلها إسبانيا ولا موقعها على الخريطة.
غسيل الدماغ العروبي الإسلامي هذا هو الذي أنتج هذا النوع من الشعب المغربي الذي انقلبت لديه الأولويات فأصبح يكره إسرائيل التي لم تعتد عليه يوما ولا تحتل ميليمترا واحدا من أرضه، ويعشق إسبانيا التي تحتل أرضه لحد الآن وأبادته بالسلاح الكيماوي في الريف وتذل المغاربة يوميا عند معابر مليلية وسبتة بالشتائم والصفعات والركلات والاعتقالات والتفتيشات.
يجب على الشعب المغربي أن يتعلم حشر أنفه في المواضيع المغربية الكبرى وأن يطالب بالاستفتاءات الشعبية وبالحوار المفتوح في القضايا الكبرى مثل الجزر المحتلة والصحراء المغربية والميزانية العسكرية وميزانية القصور ورواتب البرلمانيين والوزراء والسياسة الخارجية ومدى جدوى الانضمام إلى منظمات أجنبية مثل Cedeao تؤثر على أمن المجتمع وسيادة الدولة والشعب.
يجب على المغاربة طرح الأسئلة الجريئة والكف عن الانشغال بالتفاهات والكف عن عقلية “خلّي لمخزن طرانكيل يدير شغالاتو”.
كيف تم غسل أدمغة المغاربة فانقلبت المعايير وأصبحت فجأة إيران الشيعية هي أخطر من يتآمر على وحدة المغرب وليس النظام الجزائري؟
كيف نسي المغاربة أن إسبانيا تحتل 21 جزيرة مغربية ومدينتين مغربيتين وأصبح كل ما يهمهم هو تحرير القدس وقلقيليا والجولان السوري والسهر على راحة الفلسطينيين؟!
(ملاحظة: الفلسطينيون يعيشون بشكل أفضل من المغاربة حسب تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية. تصنيف فلسطين العالمي هو 114 بينما تصنيف المغرب هو 123).
لماذا يشتكي المغاربة من “الاحتلال الإسرائيلي الغاصب” (لفلسطين) ولا يشتكون أبدا من “الاحتلال الإسباني الغاصب” لأراضي المغرب؟!
علاش آ المغاربة كا تّشكّاو ليل ونهار من “الاستيطان الإسرائيلي” في فلسطين والجولان؟!
علاه “الاستيطان الإسباني” في مليلية وسبتة وجزر الكناري ما شفتوهش؟!
“استيطان البوليساريو” في بير لحلو Bir Leḥlu وتيفاريتي Tifariti المغربيتين ما شفتوهش؟!
بان ليكوم غير “الاستيطان الإسرائيلي” في قارة آسيا البعيدة؟!
عجيب أمر المغاربة!
هل سمعتم مغربيا من الحكومة أو عامة الشعب يحتج على بناء “وحدات استيطانية إسبانية جديدة” في مليلية وسبتة وجزر الكناري مثلما يشتكي المغرب والمغاربة ليل نهار من “الوحدات الاستيطانية الإسرائيلية الجديدة” في القدس وفلسطين؟!
لماذا يسكت الإعلام المغربي المستقل عن الاحتلال الإسباني لأراضي المغرب ويشغل المغاربة بقضايا العرب في قارة آسيا؟!
هذا ما نسميه: الاستلاب.
إنه الاستلاب العروبي الإسلامي والتخدير الإعلامي المخزني والتكاسل الشعبي.
الاستلاب هو حين يكون الشعب مسلوب العقل فيفكر ويتصرف كما يريد له الآخرون ووفق قوالب صنعها لها الآخرون، فيصبح عقله ألعوبة في يد الآخرين والأجانب، ويصبح مطية لكل من هب ودب.
الذي يهمني هنا هو ما يفكر به المغاربة وليس حسابات الدولة المغربية.
فالدولة المغربية لديها حساباتها بخصوص الجزائر وإسبانيا وإيران وإسرائيل ومنظمة Cedeao وبقية الأشياء. ولكنها حسابات ليست دائما صحيحة وأحيانا تكون حسابات خاطئة تماما (مثل الانسحاب من المنظمة الأفريقية الذي لم يحصد منه المغرب إلا الخواء الخاوي طيلة عقود)، ولكن يجب على المغاربة أن يتعلموا أن يحشروا أنوفهم في القضايا المغربية والأمازيغية الكبرى وأن يضغطوا على الدولة بدل الاكتفاء بمناقشة التفاهات والقشور وسخافات الأمور تاركين المخزن يفعل ما يشاء في القضايا المغربية الكبرى الداخلية والخارجية.
ألا يجدر بالشعب المغربي والمناضلين والمثقفين أن يضغطوا على الدولة المغربية لاسترجاع الجزر الـ21 ومدينتي مليلية Mřič وسبتة Sebta المحتلتين من إسبانيا بالمفاوضات السلمية كما فعلت ونجحت فيه الصين مع بريطانيا بخصوص مدينة Hong Kong عام 1997 وكما فعلت ونجحت فيه الصين أيضا مع البرتغال بخصوص مدينة Macau في عام 1999؟
لقد حان الوقت ليكف الشعب المغربي والسياسيون والمثقفون المغاربة عن التبعية البلهاء لقضايا فلسطين والعرب والشرق الأدنى وأن يناقشوا قضايا المغرب الكبرى ومن بينها أراضيه المحتلة شمالا وجنوبا.
tussna@gmail.com