بقلم :
* وسيم قمري: باحث في العلوم القانونية
* فيصل الماخوخي: باحث في العلوم القانونية
تعتبر الرخصة السنوية من الحقوق الأساسية التي يستفيد منها الموظف العمومي كفاء سنة كاملة من العمل والجد والاجتهاد التي لا سبيل لمكافئته عليها الا بمنحه قسطا من الراحة تروم من خلالها الادارة تشجيع الموظف وتحفيزه على القيام بمهامه على أكمل وجه و إنزاله المنزلة التي تليق به كإنسان يستحق التقدير والإهتمام بعيدا عن المنطق الذي يجرد الموظف من انسانيته ويعتبره مجرد الة للإنتاج !!
ومن أجل تمكين الموظف من هذا الحق عمدت التشريعات الى اقراره وتنظيمه كما هو الشأن في التشريع المغربي في الظهير الشريف رقم 1.58.008 بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، أو منشور الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بتحديث القطاعات العامة رقم 5 بتاريخ 5 يونيو 2011 وفي غيرها من المراسيم خاصة المرسوم رقم 2.24.140 بمثابة النظام الأساسي الخاص بموظفي الوزارة المكلفة بالتربية الوطنية.
فبعد أن أكدت المادة 71 حق موظفي الوزارة المكلفة بالتربية الوطنية الاستفادة من رخصة سنوية سيتم تنظيمها وتفصيل شروطها بموجب قرار وزاري لاحق، فوجئ العديد من متتبعي الشأن التعليمي بمشروع قرار خاص بالرخصة السنوية يناقض تماما منطوق المادة المشار اليها أعلاه علاوة على التناقض الحاصل بين مواده التي يخالف بعضها بعضا.
1- على مستوى الصياغة التشريعية
حيث لوحظ في المواد المشار اليها في مشروع القرار بالأخص المادتين الأولى والثانية انها مطابقة تماما للفصل 71 من النظام الأساسي وهو ما يطرح اشكالية دراسة الجدوى ودورها الذي من الممكن ان تلعبه في تنقيح النصوص والقرارات التشريعية قبل اصدارها واثناء صياغتها، فالسؤال المطروح، من الناحية القانونية ما فائدة اصدار قرار وتضمينه موادا سبق ان تمت الاشارة اليها حرفيا في مرسوم سابق، فالمعلوم في القرارات الوزارية أنها تأتي من أجل تفصيل المجمل وليس تكرار ما سبق ايراده في نصوص قانونية اخرى، وهو ما يدفعنا الى طرح سؤال الفعالية التي يجب ان تتسم بها النصوص القانونية والدور الذي يجب ان تلعبه في حل الاشكالات على مستوى الواقع وتبسيط النصوص التي تحتاج لتبسيط وتوضيح كيفية تطبيقها، وهو ما لا نجده في النصين المذكورين في القرار المشار اليه الذي اكتفى بإيراد حرفي شكلا ومضمونا للمادة 71 من النظام الأساسي موزعة على مادتين !!
اما المادة الرابعة من نفس القرار فهي على نفس الشاكلة حيث أتت مطابقة تماما شكلا ومضمونا للمادة 14 من مقرر تنظيم السنة الدراسية والتي لا تضيف شيئا جديدا بل تعتبر تأكيدا لفقرة كانت ولا زالت ترد في مقررات تنظيم السنة الدراسية في كل موسم دراسي.
وانه لمما يثير انتباه المطلع على القرار، عدم التطرق للاشكال الذي تثيره المداومة والتوفيق بينها وبين حق الموظف في الاستفادة من رخصته السنوية، وانه لمما يثير الدهشة والاستغراب هو الابقاء على نفس الجملة التي كانت ولا زالت ترد في مختلف مقررات تنظيم السنة الدراسية المتمثلة في “ويراعى في استفادة الاطر المذكورة من الرخصة السنوية الحرص على ضمان المداومة خلال العطلة الصيفية”، فكيف يمكن لهذا النص ان يفصل في الاشكال المذكور خصوصا وانه لا يعطي حلا واضحا بل يكتفي بايراد عبارات عامة لا تحسم بشكل نهائي في الاشكال المطروح، وهو امر اذا كان مقبولا نوعا ما في مقررات تنظيم السنة الدراسية التي تطغى عليها الصبغة التنظيمية ( المادة 14 من مقرر الموسم الدراسي المقبل 2024/2025) فإن الأمر الذي لا يستساغ على مستوى الصياغة القانونية هو ايراد نفس العبارات العامة في مشروع القرار الذي يفترض فيه حل الاشكالات العالقة وتفسير النصوص القانونية وتوضيح كيفية تطبيقها وهو ما لم يتم في المشروع المذكور.
وللاطلاع على الاشكال الذي تثيره المداومة وحق الموظف في الاستفادة من الرخصة السنوية يرجى زيارة الرابط الاتي:
tinyurl.com/2dqhs2zg
2- على مستوى المضمون
حيث سمح الفصل 71 من النظام الأساسي إمكانية استفادة الأطر التي تنتمي لهيئة التربية والتعليم وأطر التفتيش التربوي بالإستفادة من أكثر من شهر خلال عطلة السنة الدراسية، باستثناء المكلفين منهم بمهام إدارية.
وبالرغم من توفق المشرع الى حد كبير في استحضار الطبيعة التربوية للأطر المذكورة التي لا علاقة لها بالإدارة من أجل تمكينهم من الاستفادة من اكثر من شهر خلال عطلة السنة الدراسية نظرا لارتباط مهامهم بصفة مباشرة بالتلميذ وذلك على خلاف هيئة الادارة التربوية والتدبير التي تمثل استمرار المرفق العمومي وضمان تأدية مهامه الشيء الذي يبرر ربط استفادتهم من رخصتهم السنوية باستيفاء مختلف العمليات الادارية المرتبطة بنهاية الموسم الدراسي والاستعداد للموسم الدراسي المقبل، فان الشيء الذي لا يفهم لحد الان هو وان كان المشرع قد سمح لأطر التوجيه التربوي واطار مختص تربوي ومختص اجتماعي من الاستفادة من أكثر من شهر، إلا أنه جاء في المادة 14 من مقرر تنظيم السنة الدراسية والمادة 4 من مشروع القرار المتعلق بالرخصة السنوية التي تعتبر متطابقة تماما مع سابقتها شكلا ومضمونا الى تجميع هذه الاطر مع هيئة الادارة التربوية في تعليق الاستفادة من الرخصة السنوية الى حين الانتهاء من “جميع العمليات المرتبطة بنهاية السنة الدراسية والترتيبات المرتبطة بالدخول المدرسي الموالي وتوقيع محاضر الخروج .. “.
فكيف يسمح للأطر المذكورة بالاستفادة من أكثر من شهر خلال عطلة السنة الدراسية كما هو مبين في النظام الاساسي ومشروع القرار المشار اليه، ثم يتم تعليق هذه الاستفادة في نفس القرار باتمام عمليات ادارية تناط بأطر هيئة الادارة التربوية والتدبير التي تختلف تمام الاختلاف عن الهيئة التي تنتمي اليها اطر المستشار في التوجيه والمختص التربوي والمختص الاجتماعي؟
الا يعد هذا تناقضا مع فلسفة المشرع التربوي في تصنيف كل هيئة على حدى، وضمان اداء مهامها حسب خصوصية كل هيئة على حدى؟
وهكذا، فان المشرع مدعو إلى تصويب مشروع القرار المشار إليه بالشكل الذي يضمن تحقيق تلاؤم وانسجام مع مبادئ وروح النظام الأساسي والفلسفة التي ينبني عليها في تحديد مختلف هيئات المنظومة التربوية والمهام الموكولة اليها والتحديد الصريح لفترة المداومة بالشكل الذي يضمن الاستفادة من الرخصة السنوية وعدم تعارضها معها خصوصا إذا استحضرنا الإشكالات التي تقع من الناحية العملية عندما نستحضر قيام بعض رؤساء المؤسسات التعليمية بإلزام الأطر الادارية (هيأة الإدارة والتدبير من ممونين ومختصي الاقتصاد والإدارة والمساعدين التربويين) بالمداومة ولو خلال رخصتهم السنوية التي تعتبر حقا خالصا للموظف مضمون الاستفادة منها كاملة دون تجزيئ بموجب القوانين الجاري بها العمل.