الساعة كانت تشير إلى العاشرة والنصف مساء من خريف 2016، البيت يسبح في سكون تام ، لا يسمع فيه سوى صوت صفير الرياح الذي يخترق النافذة نحو الداخل ، ونقر قطرات المطر على الزجاج الذي يحدث صوتا موسيقيا رنانا ، كنت قد أنهيت للتو من قراءة “قصة المعطف” للروسي “نيقولاي غوغول” ، وشرعت في إعادة صياغتها على دفتر مذكراتي قبل أن يعاودني ألم التشنجات بمعدتي ، كان الألم يشتد في كل ثانية أكثر فأكثر ،قمت من على سريري واتجهت صوب المطبخ ، احضرت حساء من “العشوب” وعدت ادراجي نحو غرفتي ، ارتشفت الحساء كمن يرتشف زجاجة البيرة ، وما كادت تمر غير دقائق قليلة حتى شعرت بارتياح تام ، فاطفات النور واستسلمت للنوم …
أيقظني الألم مرة ثانية ، تقلبت في فراشي كثيرا ، نفضت من علي غطائي بعد أن صحوت بشكل كامل ، نظرت إلى الساعة الحائطية بطرف عين ،كان العقرب الصغير يقترب من الثالثة صباحا ، وقفت عند الشباك أراقب حركات أشجار”الصفصاف” في الفناء الخارجي ، تتراقص بشكل يشبه رقصة “أحيدوس” ، تخيلت في ظلمة الشارع الماثل امامي مشهدا من “قصة المعطف” عندما سرق معطف “اكاكي” -بطل القصة- اخافني وحشة المشهد وعدت خطوات إلى الوراء ،،، استويت على الأريكة ، أخذت هاتفي واتصلت ب “الفايسبوك” للإطلاع على آخر الأخبار في موضوع “تشكيل الحكومة الجديدة “، بعد مرور 20 يوما على الإنتخابات التشريعية، تفاجأت بالكم الهائل من الرسائل التي وردتني ،، فتحت علبة الرسائل ، كانت أول رسالة انقر عليها لقراءتها عبارة عن شريط فيديو ،، يبدو ان حاوية للأزبال استولت على اسماك شخص ما فما كان من صاحب الأسماك إلا القفز داخل الحاوية تعبيرا عن سخطه جراء هذا الحجز غير المستساغ ، كان صاحب الشريط يصور لنا قذارة المشهد ويردد على اسماعنا “خزاث إرمونكا “قبل ان تتعالى اصوات الحاضرين “الله أكبر الله اكبر ” ” يموث يموث” ، تسارع خفقان قلبي بين ضلوعي ، صار وجهي ممتقعا وعيناي مشدوهتان بنظرات تشع نارا مؤلمة ، كان فمي جافا وكأنه من الورق المقوى، كنت أشعر بقطرات العرق تندي جبيني، يا للقرف ، ملايين المغاربة في هذا الوقت بالذات يشاهدون جريمة دولة من وراء الشاشات الإلكترونية ، أسندت رأسي إلى الحائط وقد عمني دوران شديد لم أستطع معه تمالك نفسي حتى تهاويت أرضا،، لكن كنت ما ازال حية أطلق العنان للعنات على الضمائر الميتة ، على القاسية قلوبهم ، على الشر القابع في دواخل البشر ، على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، على نصوصه التي تبناها الدستور من الفصل 19 إلى الفصل 39 ، على كل ما يمكن له حماية أرواحنا من التعذيب والتقتيل…
أمسكت بهاتفي مرة أخرى ، كان أصدقائي في “الفايسبوك” قد غيروا صور صفحاتهم الشخصية كأضعف الإيمان حدادا على المقتول المسمى قيد حياته “محسن فكري” ، وأنا أتصفح المواقع الإلكترونية المحلية ، طلع أمامي شريطا آخر مكتوبا فوقه :”سكان الحسيمة أيقظوا العامل ووكيل الملك في هذا الوقت المتأخر من الليل ” ، الشريط الوحيد الذي أمكن من إخماد النار الملتهبة في داخلي ، أثارتني شجاعة شاب يمثل امام المسئولين ويناقشهما في ضمانة القانون التي لم يعد يعتد بها ،، كان الأمر شبيها بالحلم لكن كنت أقرص نفسي لأتيقن أني مستيقظة وما أشاهده واقعا حقيقيا … انطفأ هاتفي حيث نفذت بطاريته قبل معرفة كيف ستأخذ الأمور مجراها …
كتبت على الصفحة الأخيرة من دفتر مذكراتي “لن يمر هذا الأمر بسلام “… واسترسلت للنوم منتظرة انبلاج الصباح . #من_قتل_محسن_فكري