” محكمة النقض والأمن العقاري
إعداد د حسن فتوخ
رئيس مكتب الودادية الحسنية للقضاة بمحكمة النقض
وأستاذ بالمعهد العالي للقضاء بالرباط
تقديـم:
إن تناول موضوع محكمة النقض والأمن العقاري، يقتضي رصد مواقف العمل القضائي، على اعتبار أن السلطة القضائية هي الوجه الآخر لحقوق الإنسان المثبتة في المواثيق الدولية وفي التشريعات الوطنية، وأن القرارات والأحكام الصادرة عنها هي التي تبت الحركة في النصوص القانونية الجامدة، وتجسد الحماية القضائية في الواقع على أساس أنها عنوانا للحقيقة، لأنها تدعم حقوق وحريات المواطنين المكفولة دستوريا، وتعتمد على تفسير النصوص بما يحقق العدل والإنصاف والاستقرار داخل المجتمع.
وإذا كانت رسالة محكمة النقض تتمثل في إرساء النص القانوني وسلامة تطبيقه تكفي وحدها لتعظيم دورها وإجلال قدرها، فإن دورها يزداد علوا عندما لم تكتف بتطبيق النصوص القانونية، وإنما تعمد إلى تطويع تلك النصوص بالتأويل أو التفسير أو القياس لزيادة الحماية المقررة لحقوق الإنسان وتجسيد الضمانات التي تكفل حريته وماله، وهو ما يتجلى بشكل ملموس من خلال العديد من اجتهاداتها القضائية ذات الصلة بالأمن العقاري التي نعرض لبعضها على سبيل المثال لا الحصر من خلال محورين اثنين كالتالي:
المحور الأول: الأمن العقاري في نظام التحفيظ العقاري والحقوق العينية
المحور الثاني: الأمن العقاري من خلال القوانين الخاصة
المحور الأول: الأمن العقاري في نظام التحفيظ العقاري والحقوق العينية
جدير بالذكر أن تفويت العقارات في طور التحفيظ المثقلة بتعرضات تكون قابلة للتوثيق من طرف الجهات المؤهلة قانونا لذلك، وأن الاستظهار بالعقد أثناء سريان مسطرة التحفيظ يكون إما عن طريق نشر خلاصة إصلاحية طبقا للفصل 83 من ظ ت ع، وإما عن طريق مسطرة الإيداع طبقا للفصل 84 من نفس الظهير، مع العلم أن الاختيار المتحدث عنه في الفصل 83 أعلاه والمقرر لفائدة المفوت له رهين بوجود ملف مطلب التحفيظ في مرحلته الإدارية. أي أن الخيار الممنوح للمفوت له في سلوك مسطرة نشر الخلاصة الإصلاحية أو مسطرة الإيداع يتوقف على عدم إحالة ملف مطلب التحفيظ من طرف المحافظ على محكمة التحفيظ للبت في التعرضات، إذ بمجرد حصول هذه الإحالة التي تبتدئ من تاريخ توقيع المراسلة من طرف المحافظ وتسجليها في السجل المعد لذلك وإعطائها رقما ترتيبيا، تغل صلاحية المحافظ الموكولة إليه قانونا في فتح التعرضات على مطلب التحفيظ أو على الإيداع الذي تم في إطار الفصل 84 من ظ ت ع.
وترتيبا على ذلك، فإن أي تفويت يقع بعد إحالة ملف المطلب على محكمة التحفيظ، يسد باب الخيار المقرر للمفوت له بين المسطرتين أعلاه، ويجعله محقا فقط في مباشرة مسطرة واحدة وهي مسطرة الإيداع دون مسطرة نشر الخلاصة الإصلاحية لعدم وجود الملف بين يدي المحافظ للقيام بإجراءات الإشهار والنشر في الجريدة الرسمية.
وبخصوص إشكالات التعرض على الإيداع أكدت محكمة النقض في أحد قراراتها معتبرة أن التعرض المشار إليه في الفصل 30 من ظهير التحفيظ العقاري والذي يمنع المحافظ من اتخاذ قرار بالتحفيظ إلا بعد استنفاذ جميع طرق الطعن بشأنه يهم فقط الحالتين الأولى والثانية من الفصل 24 من نفس القانون، لأنهما وحدهما تمسان حقوق الملكية التي يدعيها طالب التحفيظ، أما حالة المنازعة في حق وقع الإعلان عنه طبقا للفصل 84 من هذا القانون، فلا تأثير لها على هذا الحق وتهم فقط العلاقة بين المودع والمتعرض على الإيداع، ولأن ما قد يصدر بشأنها من قرارات قضائية يمكن تقييده بالرسم العقاري بعد إنشائه.
وتفعيلا للصلح في قضايا التحفيظ العقاري بين أطراف النزاع، أكدت محكمة النقض أنه ليس هناك ما يمنع المتعرضين من تقليص تعرضهما والإدلاء بعقد صلح دعما لذلك، فإذا ما تنازل المتعرض عن تعرضه أثناء جريان الدعوى تقتصر محكمة التحفيظ على الإشهاد بذلك، وتحيل الملف على المحافظ العقاري الذي يقوم عند الاقتضاء بالتحفيظ مع اعتباره اتفاقات المتنازعين وصلحهم.
وفي نفس السياق، وضبطا لإجراءات التنازل عن التعرض، وترتيب الآثار القانونية عن ذلك، اعتبرت محكمة النقض أن تنازل المتعرض عن تعرضه أمام المحافظ هو تصرف بإرادة منفردة ملزم له، وينتج آثاره من تاريخ وصوله إلى علم طالب التحفيظ، ولا يحق له التراجع عنه أمام المحكمة بعد إحالة الملف عليها من المحافظ.
وتكريسا من محكمة النقض لقواعد وضوابط دولة الحق والمؤسسات المستمدة من الدستور والمرجعية الملكية والمواثيق الدولية فقد أعلنت محكمة النقض في قرار مبدئي هام وبشكل واضح لا لبس فيه أنه لا حصانة لأي قرار إداري من الخضوع للرقابة القضائية مستندة في ذلك على دستور المملكة في مادته 118 ومؤكدة أن دعوى الإلغاء بطبيعتها دعوى قانون عام يمكن أن توجه ضد أي قرار إداري دونما حاجة إلى نص قانوني صريح يجيزها.
وفي المقابل، وانطلاقا من كون الأمن العقاري يعتبر دعامة أساسية للاستقرار والاستثمار، وتحصينا للرسم العقاري من أي طعن، فقد اعتبرت محكمة النقض أنه لا مجال للتمسك بمقتضيات الفصل 118 من الدستور للطعن في قرار المحافظ على الأملاك العقارية بتأسيس الرسم العقاري، ما دام المشرع قد أضفى صفة مطلقة على مبدأ التطهير، وخول للمتضررين في حالة التدليس فقط أن يقيموا على مرتكب التدليس دعوى شخصية بأداء التعويض.
وتفعيلا منها للرقابة القضائية على قرارات المحافظ العقاري، قررت محكمة النقض في إحدى النوازل إلغاء قراره وأمره بتأسيس الرسم العقاري بعدما تبين لها عدم جدية الأسباب التي كانت مبنية على الفرق في المساحة بين ما هو مضمن برسم شراء المطلوب في النقض وبين المساحة التي أسفر عنها التحديد، وعلى اختلاف موقع العقار وحدوده بين ما هو كائن على أرض الواقع وبين ما هو مدون برسم الشراء.
وفي نفس السياق وضمانا لعدالة عقارية، تحمي الممتلكات، وتكرس الثقة في الرسم العقاري، أكدت محكمة النقض مشروعية موقف المحافظ على الأملاك العقارية الرامي إلى رفض تقييد عقد البيع بالرسم العقاري، بعلة عدم صحة عقد الوكالة المعتمدة في إبرام عقد البيع المطلوب تقييده، ما دام أن المشرع أوكل إليه صلاحية مراقبة صحة الوثائق تحت مسؤوليته الشخصية.
وفي إطار تحديد طبيعة مسؤولية المحافظ العقاري وما يترتب على ذلك من آثار قانونية، قررت محكمة النقض أن “عدم العثور على الرسم العقاري والتأخير في إعداد شهادة المحافظة وتسليمها بعد ذلك حاملة عبارة مع كامل التحفظات عند تحريرها من الرسم العقاري في انتظار تسوية الرسم العقاري رغم أنه خال من كل قيد أو تحفظ تسبب في إلحاق أضرار بالمدعين علما بان منهم من دخل من الخارج وبقي بالمغرب طيلة مدة الانتظار متكبدين مصاريف كانوا في غنى عنها، يجعل الحكم القاضي بالتعويض مصادفا للصواب من حيث المبدأ علما أن المحكمة استعملت سلطتها التقديرية في تحديد التعويض بعدما تأكد لها الخطأ المصلحي وأثره “.
وغني عن البيان أن الحكم القضائي وعند صيرورته نهائيا يعتبر عنوانا للحقيقة بالنسبة للنزاع الذي تم الفصل فيه، ومن ثم فإن المحافظ يكون ملزما بتنفيذ الأحكام القضائية عن طريق التقييد في إطار السلطة المخولة له قانونا حسب توجه محكمة النقض المتمثل في اعتبار المحافظ العقاري جهة إدارية لتنفيذ الأحكام القضائية بالرسوم العقارية وأن قيامه بتقييده عقد البيع بناء على ما تضمنه منطوق حكم قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به، يكون معه قراره بالتقييد قد تم في إطار سلطته المخولة له قانونا ما دامت المحكمة قد تأكدت من عدم تغييره لما تضمنه الحكم موضوع التقييد أو تعديله أو الزيادة فيه.
كما أن تنفيذ المحافظ لمنطوق الحكم القضائي يمنعه من مناقشة مضمونه وحيثياته، اعتبارا لمبدأ الفصل بين السلطات الإدارية والقضائية الذي كرسه صراحة منشور المحافظ العام بقوله أنه “لا يسوغ لمحافظ الملكية العقارية بأي شكل من الأشكال التحقق من صحة الأحكام القضائية بالنسبة للجوهر، لكن عليه أن يقتصر في تدقيقه على توافر الصفة النهائية والتنفيذية للحكم من عدمه، بل إن المحافظ، وإذا اتضح له في متن الحكم وجود غلط مادي، وبعد القيام بتقييد الحكم عند الاقتضاء يجب عليه إخطار المعنيين بهذا الخطأ ودعوتهم لمراجعة الجهة القضائية المصدرة للحكم بقصد تصحيح ذلك الخطأ المادي “.
وترتيبا على ذلك، فإن واجب المحافظ العقاري في التحقق من الأحكام القضائية قبل تقييدها بالرسم العقاري، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتجاوز النطاق المحدد له في المنشور أعلاه، ويخول لنفسه – باعتباره سلطة إدارية – صلاحيات لم يمنحه إياه القانون كأن يطعن في أسباب الحكم وحيثياته ويمتنع عن تنفيذ منطوقه بسبب العيب الذي تراءى له حسب تقديره الشخصي، فإن ذلك من شأنه أن يجعل قراره بالرفض متسما ومشوبا بالشطط في استعمال السلطة ومعرضا بالتالي لرقابة القضاء الإداري. وهذا ما أكدته الغرفة الإدارية بمحكمة النقض معتبرة أن تبليغ الأحكام القضائية إلى المحافظ على الأملاك العقارية يكون بقصد تنفيذه، وأن امتناعه عن تقييد تلك الأحكام في الرسم العقاري، يعتبر تجريدا للمحكوم لهم من حقهم العيني، وبالتالي خطأ مصلحيا للمحافظ العقاري يتصل بممارسة وظيفته الإدارية، تسأل عنه الوكالة ويعطي للمتضررين الحق في طلب التعويض عن الضرر الذي أحدثه لهم.
وارتباطا بعقود البيع المنجزة من طرف موثق بفرنسا والمراد تقييدها من طرف المحافظ بالرسم العقاري تحت مسؤوليته، أكدت محكمة النقض إمكانية المحافظ العقاري إجراء تقييد بالرسم العقاري استنادا على عقد بيع تم إنجازه في فرنسا من طرف الموثق، والذي له صفة موظف عمومي مخول له بمقتضى قانون بلده إضفاء الصبغة الرسمية على العقود التي يحررها. هذا العقد معفى من التصديق ومن كل إجراء مماثل عند الإدلاء به أمام الإدارات المغربية ومنها المحافظة العقارية بمقتضى الفصل 3 من البروتوكول الإضافي لاتفاقية التعاون القضائي بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية المؤرخ في 10 غشت 1981.
وفيما يتعلق بمدى أحقية المحافظ في تقييد عقد بيع جزء مفرز من عقار محفظ لازال مملوكا على الشياع، اعتبرت محكمة النقض وجوب تحويل الجزء المبيع إلى أسهم حتى يمكن للمحافظ تقييد البيع بالرسم العقاري.
وحماية للمواطن من الشطط في استعمال السلطة قررت محكمة النقض جواز الطعن بالإلغاء في قرارات النيابة العامة المتعلقة بتسخير القوة العمومية لمساعدة كتابة الضبط على تنفيذ الأحكام لكونها إجراءات إدارية ترتبط بميدان الشرطة الإدارية.
وتفعيلا للرسالة الملكية الرامية إلى وضع حد لظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير، اعتبرت محكمة النقض في نازلة تتعلق بزورية الوكالة أن المحافظ على الأملاك العقارية له الحق في إبداء كل الدفوع ومناقشة كل الوثائق من قبيل التمسك بعدم صحة الوكالة المعتمدة في إبرام عقد البيع المطلوب تقييده، طالما أنه ملزم بالتحقق من صحة الوثائق المدلى بها أمامه تأييدا لطلب التقييد شكلا و جوهرا عملا بمقتضيات الفصل 72 من ظهير التحفيظ العقاري.
ونشير في هذا الصدد إلى أن الفقرة الثانية من المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية أوردت لأول مرة استثناء يتعلق حصرا بصاحب الحق الذي تضرر بسبب تدليس أو زور أو استعماله شريطة أن يرفع الدعوى للمطالبة بحقه داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد المطلوب إبطاله أو تغييره أو التشطيب عليه، وهو الأمر الذي يوحي بالقول أن كل تفويت مقيد بالرسم العقاري المعني به لا يكون نهائيا إلا بعد انصرام أجل أربع سنوات. وبمفهوم المخالفة فإن كل تقييد بناء على عقد مزور يتم تحصينه بمجرد انصرام الأجل المذكور، مما يجعل مقتضيات المادة المذكورة أحد المداخل الرئيسية لتشجيع الاستيلاء على أملاك الغير استنادا على عقود مزورة، ويتعين على المشرع التدخل لإلغائها على وجه السرعة حماية لحق الملكية العقارية.
وفي نازلة تتعلق بممارسة الشفيع لحقه في الشفعة، أكدت محكمة النقض أن العرض العيني الذي يقوم به للأخذ بالشفعة بواسطة الشيك باعتباره أداة وفاء، يستلزم أن تكون مؤونة الشيك متوفرة لدى البنك المسحوب عليه بتاريخ إنشاء الشيك وبتاريخ عرضه على المشفوع منه، ورتبت على ذلك سقوط حق الشفيع في الشفعة متى كان العرض العيني ناقصا لعدم توفر الشيك على المؤونة المغطية لمقابل الشفعة.
وبخصوص عقد الهبة المبرم من مالك مثقل عقاره برهن رسمي، فإنه لا يحق للمحافظ أن يرفض تقييد عقد الهبة بعلة أن الدين محيطا بالواهب حسب مقتضيات المادة 278 من مدونة الحقوق العينية، بدليل أن محكمة النقض أجازت صحة هذا النوع من التصرفات، معتبرة أن العقار المرهون ينتقل على حالته إلى الموهوب له، طالما أن الرهن الرسمي كحق عيني تبعي يخول صاحبه حق التتبع والأفضلية برتبته.
وفي نفس السياق، فإن المحافظ يكون غير مسؤول إذا قام بتقييد عقد هبة حق الرقبة مع الاحتفاظ بحق الانتفاع حسب مقتضيات المادة 274 من مدونة الحقوق العينية التي لا تتعارض مع مقتضيات المواد 79 وما يليها من نفس المدونة المنظمة لحق الانتفاع. ذلك أنه بالرغم من أن هذا التصرف كان مسموحا به بمقتضى ظهير 2 يونيو 1915 الملغى، فإن مقتضيات مدونة الحقوق العينية لا تتضمن ما يفيد المنع من إبرام هذ النوع من العقود التبرع، وأن سكوتها ينصرف إلى الإباحة، حسبما أكدته محكمة النقض التي اعتبرت أن ” التقييد بالرسم العقاري يغني عن الحيازة الفعلية للملك الموهوب وعن إخلائه من طرف الواهب إذا كان العقار محفظا أو في طور التحفيظ، ولما ثبت تقييد عقد الهبة بالرسم العقاري وتحققت بذلك حيازة الموهوب لها لحق الرقبة حيازة قانونية قبل وفاة الواهبة، فإن بقاء الواهبة مستعملة ومستغلة للشيء الموهوب طيلة حياتها إلى تاريخ وفاتها لا ينال من صحة الهبة وقانونيتها مادامت الحيازة القانونية بيد الموهوب لها وبعد انقضاء الانتفاع بوفاة الواهبة وتقييد ذلك بالرسم العقاري أصبحت الموهوب لها حائزة لجميع الموهوب.
وتحديدا منها لنطاق الأثر التطهيري لمحضر المزاد العلني، قررت محكمة النقض أن محضر إرساء المزاد العلني يعتبر سند الملكية لصالح الراسي عليه المزاد، ويترتب على تقييده بالرسم العقاري انتقال الملك إلى من رسا عليه المزاد وتطهيره من جميع الامتيازات والرهون باعتبارها حقوقا عينية تبعية، ولا يطال التقييدات الاحتياطية السابقة للحجز والمسجلة بناء على دعاوى متعلقة بالعقار المبيع فيما قد تنتجه من حقوق لأصحابها ابتداء من تاريخ التقييد الاحتياطي، والتي يبقى رفعها رهين بمآل الدعوى التي أسس عليها، سيما وأن المفروض في الراسي عليه المزاد بأنه قبل بالعقار المبيع على حالته الراهنة من خلال اطلاعه على دفتر التحملات، وقضت محكمة النقض بنقض القرار المطعون فيه بعلة أن محكمة الاستئناف لما عالجت أمر التشطيب على التقييد الاحتياطي خارج هذا الإطار وقررته كأثر مباشر لتقييد محضر إرساء المزاد بالرسم العقاري، تكون قد ركزت قضاءها على غير أساس.
وعلاقة بالحجوز والإنذارات العقارية، يمكن القول أنه إذا كانت الأوامر الاستعجالية الصادرة عن رئيس المحكمة الابتدائية بصفته قاضيا للمستعجلات طبقا للفصل 87 من قانون 07/14 والمادة 218 من مدونة الحقوق العينية والقاضية برفع الحجز التحفظي تكون نهائية ونافذة على الفور، فإن نطاق تطبيق المادة 218 المذكورة يطرح أكثر من إشكال حول مدى تعلقها بإجراءات الحجز التنفيذي الناتج عن إنذار عقاري، أم أنها تمتد حتى إلى التراخي في مواصلة إجراءات الحجوز التحفظية التي ترد على العقار المحفظ ؟
هناك خلاف فقهي حول هذه المسألة بين اتجاه يتمسك بأن مجال تطبيق الفصل المذكور هو إجراءات الحجز التنفيذي على العقار المحفظ، وآخر يحاول حصره في مجال الحجوز التحفظية الواقعة على العقارات المحفظة والمقيدة بالرسم العقاري.
غير أن محكمة النقض سبق لها أن وضعت حدا لهذا الخلاف في إطار القانون القديم الملغى، معتبرة في أحد قراراتها أن مجال تطبيق مقتضيات الفصل 208 من ظهير 2 يونيو 1915 التي حلت محله المادة 218 من مدونة الحقوق العينية هو الرهون الرسمية”.
كما أن نفس المحكمة أتيحت لها فرصة تأكيد نفس التوجه بعد صدور مدونة الحقوق العينية وكذا قانون 07/14 المتعلق بالتحفيظ العقاري من خلال أحد قراراتها الذي جاء فيه:
” لما كان الإنذار بحجز عقاري أو الحجز العقاري المتعلق بالتقييدات الواجب تقييدها بالرسم العقاري يمكن التشطيب عليها بأمر نهائي ونافذ فور صدوره في إطار الفصل 87 من ظهير التحفيظ العقاري، فإن هذا المقتضى لا علاقة له بالحجز المتخذ على أساس حق شخصي استنادا لقواعد قانون المسطرة المدنية، والذي يمكن طلب رفعه لدى الجهة التي أمرت به، ويكون الأمر الصادر بالاستجابة له قابلا للاستئناف استنادا للقواعد المسطرية الجاري بها العمل أمام محاكم أول درجة “.
واستنادا لما ذكر، يمكن القول إن مقتضيات الفصل أعلاه تطبق على مسطرة تحقيق الرهن وسلوك الدائن المرتهن إجراءات التنفيذ الجبري على العقار المرهون عن طريق البيع بالمزاد العلني من طرف كتابة الضبط، إذ يحق بالمقابل للمدين الراهن في حالة التراخي في مواصلة الإجراءات استصدار أمر استعجالي برفع الحجز التنفيذي. أما رفع باقي الحجوز التي تتخذ في الحالات الأخرى كإجراء تحفظي في انتظار الحصول على السند التنفيذي ضد المدين فإنها تتم طبقا لمقتضيات الفصل 149 من ق م م كلما توافرت الشروط العامة لاختصاص القضاء الاستعجالي.
في إطار الصلاحيات الموكولة قانونا للمحافظ العقاري، يمكن لهذا الأخير من خلال مقتضيات الفصل 29 من القرار الوزيري الصادر في 3 يونيو 1915 بناء على طلب من له مصلحة أو من تلقاء نفسه، أن يتدارك الأخطاء المادية أو الاغفالات التي تطال الرسم العقاري بعد تأسيسه، أو التقييدات الواردة عليه، الشيء الذي من شأنه أن ينعكس على وضعية المراكز القانونية لأصحاب التقييدات النهائية أو المؤقتة، خصوصا بالنسبة للغير الذي يتعامل على ضوء البيانات الواردة بالرسم العقاري، ثم يفاجأ بأن تقييده المؤقت قد تم التشطيب عليه من طرف المحافظ بناء على سلطته التقديرية المخولة إياه بمقتضى الفصل أعلاه، وذلك تحت رقابة القضاء العادي لقراراته في هذا الشأن.
وفي هذا السياق، اعتبرت محكمة النقض أن ما قام به المحافظ بعد تحفيظ العقار من استثناء بنايات ومقالع لفائدة الغير لا يدخل ضمن التصحيح المسموح به، وأنه يمس بقرار التحفيظ الذي يكشف نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق والعينية والتكاليف العقارية الكائنة على العقار وقت تحفيظه دون ما عداها من الحقوق غير المقيدة.
المحور الثاني: الأمن العقاري من خلال القوانين الخاصة
في إطار الرقابة القضائية على قرارات إدارة المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لمبلغ المساهمة المباشرة في رفع قيمة الأراضي السقوية، اعتبرت محكمة النقض أن استحقاق المبلغ المذكور رهين بتوفر شرطين، الأول وصول الماء إلى الأراضي الفلاحية والثاني انتهاء أشغال التجهيز الداخلي كما هي محددة في الفصل 11 من ميثاق الاستثمارات الفلاحية.
وصونا للملك العام، فقد قررت محكمة النقض أن القرار الصادر عن رئيس المجلس البلدي القاضي بإلغاء الرخصة الخاصة بالاستغلال المؤقت للملك الجماعي يعتبر قرار مشروعا مادام الكشك المستغل تم تشييده فوق الملك العام البلدي.
وفي نفس السياق، اعتبرت محكمة النقض أن الدفع بالتقادم لا يسري على النزاعات المتعلقة بفسخ العلاقة مع المندوبية السامية للمياه والغابات ما دامت طبيعة الاحتلال المؤقت للملك الغابوي لا تنشئ للمرخص له أي حق.
وحماية لحقوق الملاّك في إطار نظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية، أكدت محكمة النقض على أن المرجع في تحديد الغرض المعدة له أجزاء العقار المفرزة والمشتركة، وشروط استعمالها هو نظام الملكية المشتركة، وبالتالي فلا يجوز فرض قيود على حقوق الملاك المشتركين في الأجزاء المفرزة لكل واحد منهم، باستثناء ما يتعلق بتخصيص العقار المشترك وبخصوصياته وموقعه.
وفي نازلة أخرى، قررت محكمة النقض أن تطبيق نظام الملكية المشتركة على العقارات غير المحفظة رهين بإيداع هذا النظام بكتابة ضبط المحكمة الواقع العقار بدائرتها، وذلك يإيعاز من المالك الأصلي أو من الملاك المشتركين وإلا وجب تطبيق القواعد العامة.
وفي مجال بيع العقارات في طور الإنجاز ورغبة في مواجهة الاختلالات الحاصلة بالبيوعات العقارية، اعتبرت محكمة النقض عقود البيع الابتدائي غير المحررة من طرف الجهة المنصوص عليها قانونا باطلة وغير منتجة لأي أثر.
ونظرا لبعدها الديني والاجتماعي وحماية لها من النهب اعتبرت محكمة النقض الزوايا من الأوقاف العامة وتدخل في زمرة المحلات المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي وهي بذلك لا تُتملك بالحيازة مهما طالت، وأن إقامة أبنية أو محلات مكتراة لا ينزع عن هذا الملك طابعه الحبسي كزاوية.
وتفعيلا للحماية القانونية للملك الحبسي و حفظا له من التواطؤ والاستيلاء فقد اعتبرت محكمة النقض أن وزارة الأوقاف لها الصفة والمصلحة في تتبع الدعوى التي صدر الحكم بمحضرها، باعتبارها هي المكلفة للدفاع عن الملك الحبسي وتتبع الدعاوى الجارية بشأنه.
وفي إطار ضبط المعاملات المتعلقة بالتجزئات العقارية، فقد استقر قضاء محكمة النقض على أن قسمة تصفية عقار خاضع لقانون التجزئات يستوجب البحث في مدى قابلية هذا العقار للقسمة العينية وفقا لضوابط هذا القانون ولتصاميم التهيئة والتنطيق.
وحماية لأطراف عقود الإيجار المفضي للتملك الذي أصبحت له مكانة هامة في المعاملات العقارية، فقد قررت محكمة النقض بأن عدم تقييد العقد بالرسم العقاري أو إجراء تقييد احتياطي بشأنه، يجعل المعني به في حكم المحتل بدون سند.
وبخصوص الاعتداء المادي على عقارات الخواص من طرف الدولة وغيرها من الأشخاص المعنوية العامة، أكدت محكمة النقض أن دعاوى المطالبة بالتعويض لا تخضع لقواعد التقادم، بالنظر إلى افتقارها للشرعية التي يجب أن تسهر الأشخاص المذكورة على احترامها، ما دامت تشكل فعل غصب واعتداء على حق الملكية العقارية المضمون دستوريا، وبالتالي فلا يمكنها الاحتماء بالتقادم لحرمان أصحابها من الحصول على التعويض عن الضرر اللاحق بهم من جراء اعتداءها المذكور.
وحماية لحق الملكية العقارية المضمون دستوريا، اعتبرت محكمة النقض أن صفة المنفعة العامة لنزع الملكية والاحتلال المؤقت تتعارض وعنصر المضاربة عندما تلجأ الإدارة إلى نزع الملكية من أجل تجزئة الأراضي وبيعها بمبالغ لا تتناسب مع المبالغ المقترحة على المالكين المنزوعة ملكيتهم.
وتكريسا لمبدأ المساواة كحق دستوري، اعتبرت محكمة النقض في نازلة تتعلق بمجال التعمير والبناء، أن الإدارة ملزمة بالتقيد بمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، وأن قيام الإدارة بمنح رخص البناء لبعض المالكين على الشياع، ورفض منح نفس الرخص للبعض الآخر من المالكين على الشياع، يشكل خرقا لمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون المنصوص عليه دستوريا.
وحماية للأموال المكتسبة أثناء قيام العلاقة الزوجية، أكدت محكمة النقض على وجوب إثبات ما عمله الطرف المدعي وما قدمه من مجهود وما تحمله باعتباره شريكا في العقار المطالب بحصة منه، عملا بقواعد الإثبات العامة التي يتعين الرجوع إليها كلما انتفى الاتفاق بين الطرفين.
وتأكيدا منها لحجية الإثبات الالكتروني، وتفاعلا مع التطورات المتسارعة التي فرضتها العولمة وتكنولوجيا الاتصال، أكدت محكمة النقض أن الوثيقة المحررة على دعامة إلكترونية تعد وسيلة إثبات مقبولة متى كان متوفرا بصفة قانونية التعرف على الشخص الذي صدرت عنه وتكون معدة ومفوضة وفق شروط من شأنها ضمان تماميتها.
وفي نفس السياق، اعتمدت نفس المحكمة في أحد قرارتها مضمون الرسائل الإلكترونية المتبادلة بين الطرفين، ورتبت على ذلك مسؤولية طالبة النقض عن الإخلال بالتزامها الوارد بالمراسلة الالكترونية.
واعتبارا من كون حجية المحررات الإلكترونية والتوقيع الالكتروني تبقى من المواضيع ذات الأبعاد الكبرى في مجالات المعاملات القانونية والاقتصادية والاجتماعية، فقد قررت محكمة النقض أن التوقيع الإلكتروني لا يكون بنفس طريقة التوقيع التقليدية بل بكل ما يتيح التعرف على الشخص الموقع ويعبر عن قبوله للالتزامات الناتجة عن الوثيقة الإلكترونية ومن تم لا يشترط توقيع هذه الوثيقة بيد الملتزم ولا وضع خاتمه عليها.
وضمانا لحقوق الدفاع أمام المحاكم، وحرصا على تمثيل المؤسسات العمومية وشبه العمومية ومؤازرتها من طرف محام، اعتبرت محكمة النقض أن الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية ومعها مصالحها الخارجية تعتبر مؤسسة عمومية، تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، وبالتالي فهي غير معفاة من الاستعانة بمحام لتمثيلها أمام المحاكم.
وبخصوص الحالة التي يدلى للمحافظ بالحكم القضائي المطلوب تقييده وبشهادة بعدم الطعن بالاستئناف أو بشهادة بعدم الطعن بالنقض حسب الأحوال، ثم يبلغ المحافظ بمقال الاستئناف أو بعريضة النقض قبل إجراءه لعملية التقييد، فهل يواصل المحافظ تحت مسؤوليته تقييد الحكم القضائي؟ أم أن من حقه التمسك بالأثر الموقف للتنفيذ من خلال الطعن بالاستئناف أو الطعن بالنقض؟
نعتقد أن تبليغ المحافظ قبل عملية التقييد بالمقال الاستئنافي أو بعريضة النقض يمنعه من مواصلة إجراءات التقييد، بدليل أنه غير مختص في تقدير نتيجة الطعن والقول بأنه بوشر خارج الأجل القانوني، لأن الجهة المؤهلة قانونا لمراقبة نظامية مقال الطعن والبت في المنازعة في صحة تبليغ الحكم المطعون فيه هي المحكمة المعروض عليها المقال الاستئنافي أو عريضة النقض. ومن ثم فإن المحافظ ملزم بانتظار مآل الطعن الذي تم تبليغه به حتى يمكن أن يقرر الإجراء المناسب بشأن طلب تقييد الحكم المودع لديه، على اعتبار أن الطعن بالاستئناف والنقض يوقفان معا التنفيذ بمجرد وضعهما بكتابة ضبط المحكمة سواء تلك المصدرة للحكم أو القرار، أو المحكمة غير المصدرة للحكم أو القرار، مع ضرورة تسجيل مقال الطعن أمام كتابة ضبط المحكمة غير المصدرة للحكم المطعون فيه داخل أجل الطعن المنصوص عليه قانونا تحت طائلة عدم القبول حسبما أكدته محكمة النقض في إحدى النوازل معتبرة أن مقتضيات الفصل 141 من قانون المسطرة المدنية، توجب إيداع مقال الطعن بالاستئناف بكتابة ضبط المحكمة المصدرة للحكم المطعون فيه، غير أنه إذا اختار الطاعن أداء الرسوم القضائية عن مقاله الاستئنافي أمام محكمة غير المحكمة المصدرة للحكم المطعون فيه فإنه يتعين أن يسجل هذا المقال أمام كتابة ضبط هذه المحكمة الأخيرة داخل أجل الطعن المنصوص عليه قانونا تحت طائلة عدم القبول .
وعلاقة بأثر الحكم القاضي بالإشهاد على التنازل عن الدعوى التي وقع تقييد مقالها احتياطيا، ومدى اعتباره نهائيا بمجرد النطق به، أم يجب تبليغه للأطراف المعنية به وعدم الطعن فيه داخل الأجل القانوني؟
بالرجوع إلى الفصل 121من ق م م نجده ينص على أن المحكمة تسجل على الأطراف اتفاقهم على التنازل، ولا يقبل ذلك الحكم أي طعن. وأن جميع الأحكام الصادرة بشأن قضايا التحفيظ العقاري حسبما أشير إليه أعلاه لا تقيد من طرف المحافظ إلا بعد صيرورتها مكتسبة لقوة الشيء المقضي به. فكيف يمكن التوفيق بين النصوص الإجرائية العامة الواردة بقانون المسطرة المدنية والنصوص الإجرائية الخاصة الواردة بقانون التحفيظ العقاري؟
وجوابا على ذلك، فإن العمل القضائي اعتبر أن الحكم بالإشهاد على تنازل المدعي عن دعواه لا يقبل أي طعن بمقتضى الفقرة الأولى من الفصل 121 من ق م م من جهة، ولا يمكن سلوك إجراءات التبليغ والتنفيذ بشأنه طالما أن منطوقه غير قابل للتنفيذ في حد ذاته من جهة أخرى، على اعتبار أن الغاية من إجراء التبليغ إما ان يكون من أجل الطعن في الحكم موضوع التبليغ، وإما من أجل التنفيذ وفقا لمقتضيات الفصول 428 وما يليه من ق م م. وأن تنازل المدعين عن الدعوى يضع حدا لمفعول التقييد الاحتياطي دون حاجة إلى تبليغ الحكم القاضي بالإشهاد على التنازل عملا بالوصف النهائي الذي أضفاه المشرع المغربي على هذا النوع من الأحكام.
وفيما يتعلق بالإشكالية المتعلقة بالاقتصار على تبليغ عزل الوكيل إلى المحافظ العقاري دون الوكيل، فإن هذا الأخير يفقد صفته ابتداء من تاريخ تسلمه المكتوب أو البرقية المتضمنة إلغاء الوكالة طبقا للفصل 932 من (ق.ل.ع)، وأن الاقتصار على إيداع الإشهاد بالإلغاء بالرسم العقاري المعني بالنزاع لا يتحقق معه علم الوكيل بالإلغاء، بدليل أن مجرد الإيداع لا يعني التقييد بالرسم العقاري الذي يفترض معه العلم به من طرف الكافة عملا بالقرينة التشريعية المنصوص عليها في القانون العقاري. ومن ثم فإن محكمة النقض قد أكدت بدورها على أن زوال صفة الوكيل يستلزم تحقق واقعة تسليمه مكتوب إلغاء الوكالة من قبل الموكل، معتبرة أن التصرفات التي يجريها الوكيل قبل علمه بعزله تكون صحيحة طالما أن المتعاقد معه يجهل بدوره انتهاء مهمة الوكيل.
ونشير إلى أن العمل الإداري بالمحافظات العقارية يرتب عن إيداع الإشهاد بإلغاء الوكالة لدى المحافظ العقاري، امتناع الأخير عن تسجيل العقود المبرمة من قبل الوكيل والمتعلقة بالرسم العقاري، وذلك حماية لمصالح الطرف الموكل من تعسف الوكيل المعزول وقيامه بإبرام تصرفات قانونية نيابة عنه قصد الإضرار به، الشيء الذي يطرح التساؤل حول الطبيعة القانونية لهذا الإيداع لدى المحافظة العقارية، وماهية المسوغ القانوني لهذا الإجراء، وأساس رفض المحافظ لتقييد عقد مبرم في تاريخ سابق على تاريخ إلغاء الوكالة ومدى قيام مسؤوليته الشخصية عن ذلك.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.